إنّ مؤسّسات مار إلياس التربويّة وُلِدت ونمت، وخرّيجوها تجاوزوا العشرةَ آلاف، وتبوّأوا أعلى المناصب والمهن. أجل، تلك ثمار إحدى وأربعين سنة من العمل في حقل التربية والتعليم، كان خلالها شعارها وما زال: معًا نحن أقوى من العاصفة. نحن متكاملون في شتّى مسارات الحياة لأنّنا نعمل بالحقّ، والحقّ يستفرد بنا جميعنا. جميعنا -طلابًا، إدارةً، وهيئةً تدريسيّة، وطواقمَ عاملةَ في المؤسسات- مبدأنا وُلِدَ مع ولادة المؤسَّسات، ألا وهو "الوَحدة في التعدُّديّة".
هكذا كان، وهكذا تستمرّ في أن تكون المدرسة مميّزة، لم نُرِدْها أن تكون مدرسة "أخرى"، بل أردناها متميّزة. ارتشَفَتْ مبادئها وكانت وما زالت مدرسة دينيّة، ولكنّها ليست مدرسة لطائفة. هي مدرسة تهتمّ بالتوعية السياسيّة، غير أنّها ليست مدرسة حزبيّة. هي مدرسة لا ربحيّة ولا تجاريّة ولكنّها عصاميّة.
اليوم، في هذا الموقع، أذَكِّرُ الجميع أنّ ما يجمعنا أقوى وأنظف ممّا يفرّقنا؛ إذ إنّه لا أحد يستطيع أن يستفرد بالكمال. لا كامل إلّا الله وحده.
مار إلياس مؤسَّسة ترمي إلى التعايش والتربية الحميدة والأخلاق الحسنة. قيَم مُجتمعنا وعائلاتنا في أمَسّ الحاجة إليها اليوم على وجه الخصوص. نحن نؤمن أنّ القوّة هي بالوحدة داخل التعدُّديّة. وطلبتنا -على اختلاف انتماءاتهم- هم شركاؤنا في المسيرة وفي الكرامة. لم يُكتَب علينا أن نسير معًا في مجتمعٍ مُمَزّق، بل كُتِبَ لنا ذلك. إنّ تعايش الأديان المختلفة في مؤسسة واحدة يُمَثِّل الوحدة والمساواة. ليس بيننا أفضلية، فجميعنا نعمل ونتعب، نبني مستقبل بلادنا بفخر وبإصرار. نحترم إيمان وعقائد كل فرد بيننا، ونُنَمِّي روح الوحدة في الإنسانية نتكامل ونتواصل ونحترم خصوصيات كل فرد بيننا، وباقتناعٍ نعتبر القريب أخًا لا آخرَ.
نعمل دائمًا أن يكون أولياء الأمور شركاء لنا في عملية التربية. إنّنا نصبو إلى مشاركة أكبر وأفضل وأنجع، معهم في رعاية بناتهم وأبنائهم. إنّ طلابَنا فلذات أكبادنا، هدف رسالتنا، ونحن ننظر إليهم باحترام كبير ونعتبرهم "حاضر مستقبلنا". هم كبارنا بعد سنوات. هم قادتنا ومعلمونا. إنّهم بُناة مستقبلنا، ولذا نحن نوحي إليهم ونتعامل معهم بكل احترام وتقدير لكونهم مجتمع الغد.
نحن مؤسّسة تحترم أبناءها، هكذا نراهم في الغد يبنون مجتمعنا وقِوامه التعامل مع الآخرين كإخوة وأخوات شركاء لنا في المصير. يحقّ لهم الاحترام، نوحي إليهم بأهمّيّة المحافظة على حرّيّة القريب واحترام الآخر. كذلك كنّا نشجّع أبناءنا وبناتنا على الشجاعة واحترام التنافس، وأن يقتنعوا أنّ القريب الذي لا يعرفونه هو صديق يجب اكتشافه وليس عدوًّا ينبغي توخّي الحذر منه، نحن لا نُخرِّجَ طلابنا وننساهم، كأنّهم عصافير عاشت في العشّ، انطلقت ونسيت عشّها. نحن نرّبي أجيالنا الصاعدة على حب الوطن، حب القرية ومسقط الرأس؛ مثل سمكة الصومون التي وُلدت في منبع النهر، تجوب البحر والمحيط وترجع إلى مسقط رأسها، لتتكاثر حيث وُلدت. أحبّكِ يا مدرستي، أحبّكِ يا بلدي، أحبّكِ يا قريتي وأحبّك يا مدينتي. ليس لي بيت سوى بلدي. في سائر أنحاء العالم، أينما كنت ومهما نجحت أبقى غريبًا، إلّا في بلدي. أعمل كلّ ما في وسعي لأقدّمها، لأجمّلها، لأخدمها، لأحافظ على الانتماء إليها. ليس لي مكان أدعوه بيتي إلّا بلدي، في بلدي، وفي عائلتي وفي مدرستي. أفتخر بالانتماء وأستمدّ من انتمائي قوة داخلية قوية.
لقد أسهمنا وما زال يشرّفنا أن نسهم في إعداد أبنائنا وبناتنا ليخوضوا بحر الحياة المتقلّب وليسهموا في هدوئه وفي ازدهاره.
خرّيجونا يزداد عددهم كلّ سنة زهاء ثلاثمئة خرّيج وخرّيجة من كلّ أنحاء البلاد ومن الديانات المختلفة؛ وفي هذا إثراء لكلّ فرد من طلابنا ومن خريجينا. هو إثراء لنا جميعًا، من مسيحيين ومسلمين ودروز، وأحيانًا هنالك يهود أيضًا، وهكذا معلّمونا وطاقم الصيانة والنظافة نَكِنُّ لجميعهم ولكلّ فرد منهم الاحترام والتقدير. حاولنا أن نحافظ على العلاقة الحميمة مع الجميع، ولكن ما زلنا نشعر أنّنا مقصِّرون في هذا المجال.
نحن نتوق إلى التواصل مع خريجينا. ما زالت أمنيتنا أن نبني مركزًا في حرم المؤسسات يستضيف الخريجين ويتواصل معهم. لقد خصّصْنا قطعة أرض لائقة بهذا الهدف. ولكن العين بصيرة واليد قصيرة، خاصّة في هذه الأوضاع التي داهمتنا أسوة بباقي المعاهد التعليمية (ما عدا المدارس الدينية اليهوديّة). نسهر ونفتش عن معونات لضمان ديمومة المؤسسة. نحن نتكل على الله ونرجو منه أن يرسل لنا من يمد يده طائلة لإقامة مركز للخريجين، يكون لائقًا بهم ويعبّر عن محبتنا واحترامنا لكل واحد من خريجينا.
لا نرغب أن نبقى متعلّقين على أصدقاء في الخارج؛ إذ لنا أصدقاء قريبون ومن أبناء شعبنا هم إخوتنا وشركاء مستقبلنا وهم خرّيجونا المحبوبون، ولو أسهم كل واحد بفلس الأرملة (وكما يقول مثلنا: شعرة على شعرة تعمل لحية كبيرة).
لا أخفي عنكم أنّنا ننتظر من كلّ خريج أن يتبرّع ولو بشعرة، لكي نحصل على لحية كبيرة. فطوبى للمعطي المتهلِّل. لا تنسَوْا: نحن أقوى من العاصفة. ومهما عتت العواصف وكسرت من أغصاننا، ما دامت جذورنا متماسكة، نحن أقوى من أيّة عاصفة.